نبيل فكري .. يكتب: ليتَه فِعْل .. أيها الجبناء !!
شيئاً فشيئاً، تتغير النبرة، يتسلل فينا ذلك الشيطان، يأتينا على هيئة مذيع يظن أنه «شاطر»، أو وسواس لا نحسن الاستعاذة منه، أو «سفسطة» مُدَّعٍ أو «نباهة» من يدعي النباهة، أو جدال جاهل، لنصل إلى السؤال الملغوم: ما فعلته حمــ.اس في عملية «طــ.وفان الأقصــ.ى»، كان لصالح الفلســطينيين أم ضدهم؟
وإذا ما بدأت الإجابة، فإن معنى ذلك أنك «سقطت في الفخ»، ليصبح عليك أن تتلقى الطامة الكبرى: وما فعلته إسرائيل كان رد فعل لطــوفان الأقــ.صى، ثم نبدأ استعارة تلك الجمل الفخيمة التي يستخدمها إبراهيم عيسى، وكيف أن حمــ.اس ورطت شعبها، وكيف أن حمــ.اس هي العدو الحقيقي لشعبها، وكيف أن حمــ.اس أكبر عبء على الأمة وعلى شعبها، وشيئاً فشيئاً يبدو الكلام وجيهاً وله منطقه الذي لا ينكره إلا من كان بعقله «خلل»، وذلك أمر خطير، وجلل.
للإجابة عن ذلك، أود أن أروي تجربة خاصة، مسرحها هذا الموقع «»، حيث اعتدت منذ البداية أن أُطل على فلســ.طين، أطارد أخبارها هنا أو هناك، أنشر عن معاناتها سطراً أو عدة سطور، باعتبار ذلك واجباً عليّ، فإن لم أستطع أن أكون فيها، فلا أقل من تكون فيّْ.
المهم، لا يمر يوم، إلا وأنا أقرأ فصلاً جديداً في فصول معاناة لا تطاق ولا تحتمل .. لا يوم يمر، إلا وشيء من ستة أشياء يحدث، أو جميعها: قتــ.ل، واعتـ.قال، وتدنيس للأقصـى، ومداهمات، وهدم بيوت أو سرقتها (نعم سرقتها كلها)، جدراناً وعمراً وشجراً وذكريات، وتضييق على أرزاق الفلســ.طينيين، صيادين وعمال .. لا يمر يوم، إلا وإخوتنا في فلســ.طين يحصدون العناء، لا شيء سوى العناء والدم والهم.
كل يوم، أقرأ ذلك، وكل يوم أسأل نفسي السؤال المعتاد: إلى متى يستمر ذلك؟ .. إلى متى بإمكان الإنسان – أي إنسان – أن يتحمل هذا القهر وهذا الذل وهذا الهوان؟، فكيف إذا كان هو صاحب الأرض، ومن يفعل به كل ذلك، هو السارق المغتصب؟
كيف بمن جاءك ذليلاً، ترشه «بالمبيد» مخافة الأمراض التي تسكن جسده، يستولي على أرضك، ثم يبدأ في الاستيلاء عليك ؟.. كيف بمن لا حق له يصبح صاحب حق ؟ .. هذا ما تناساه أولئك المتنطعون .. الصـــهــ.يونيون الذين يعيشون بيننا .. نسوا أصل المسألة .. نسوا أن فلســ.طين وطن محتل، وطن يذوق كل يوم صنوف العذاب، وبدأوا يتعاملون مع المسألة بمنطق الاعتياد .. بمنطق «اثنين جيران»، اعتدى أحدهما على الآخر.
نسي هؤلاء فلســ.طين التي يزيد عمر «أغطية صرفها الصحي» عن عمر إســ.رائيل .. فلســ.طين التي جاءها أولئك «الشرزمة» من شتات الأرض، فاستولوا عليها، ويريدون اليوم، أن يستولوا على كل مَن حولها وما حولها.. فلســ.طين التي أزعم أنها على ما هي عليه، لتظل فينا جذوة مشتعلة تخبرنا أن لدينا «آمال» .. فلسطين التي قد تجعلنا يوماً «رجال».
أولئك الذين يجدون ذريعة للمحــ.تل، ليفعل بها ما يفعل، لا قلوب لهم ولا ضمائر ولا هوية، ذلك المحـــ.تل الذي كشف عن وجهه القبيح واللا إنساني في هذه الحرب، وكأنه كان ينتظرها، ليعيث في الأرض فساداً ودماراً، ويهلك الحرث والنسل، ويبيد كل ما يواجهه، وسط صمت تام، وكأننا أو بعضنا «أنعام».
أولئك الذين يتعاملون مع المحـــ.تل بالمنطق، وهو لا منطق له ولا قلب ولا روح ولا إنسانية، يفترضون أن هناك دولتين، تحدث بينهما مناوشات، ونسوا أصل القضية، وأن فلســ.طين تمثل أغرب وضع في التاريخ الإنساني كله.
ينزل أناس ضيوفاً غير مرغوب فيهم على أناس، فيحتلون البيت، وحين يمنح القانون الدولي «الأخرق» أصحاب البيت جزءاً خلفياً بجوار «مكب النفايات»، يستاء الضيوف ثقيلي الدم والروح، ويبدأون في ضرب أهل البيت، الذين إن فكروا في الغضب، نلومهم وننكر عليهم ذلك، ونسأل إن كان «فعلا» أو «رد فعل» .. ليته كان فعلاً .. ليتنا كنا أقوياء، لنكون أصحاب الفعل .. ليتنا كذلك أيها الجبناء.